U3F1ZWV6ZTQ5Mjk1NjA2NjM3MTA3X0ZyZWUzMTA5OTkzMTMwMDMzMg==

حقيقة لن تصبح  عارية 

 حقيقة لن تصبح  عارية 



بقلم :  مايسة إمام 


دلف من باب زونبركي ،  يترنح  ترنح أولئك  الذين اكتظ بهم المكان وامتزجت رائحة عرقهم  برائحة الخمر ففاح العطن ورفض التبخر وكأنه يعلن نفوره وعدم رغبته في نشر تلك الرائحة الكريهه بمكان آخر .


وللوهلة الأولى تبدو للرائي ملامحهم  كنافخي الكير خاصة مع  الحمرة التي صبغت عيونهم فتحولت لجمار ملتهبة  ورؤوسهم تتمايل يمينا ويسارا على إيقاع موسيقى لا تختلف كثيرا عنهم وعن طبيعة المكان . 


دخل بزيه المعروف  يرسل عينيه الخبيرتين تجولان بحثا عن ضالة ما ، لا يعلم كينونتها غيره تلذ بها نفسه

 و يرتشف من خمرها دون سكر .


ولم يمض كثيرا ،  حتى اقتنصتها عيناه تعتلي أحد مقاعد البار المرتفعة وقد  تدلت من فوقه ساقان من مرمر تبدوان كسيقان  تماثيل الآلهة الرومانية القديمة يعلوها خصر نحيل وتمتد خارطة ذلك الجسد الماشق لتصل لوجه خمري قمري يشق طريقه بين السحب شقا  يتوسطه ثغر شعري الأصل والنسب .


توجه نحوها مباشرة بلا تردد واعتلي المقعد المواجه لها  اعتلاء المهرة المتمرسين ،  مصوبا نظره نحو عينيها  مباشرة بجرأة وثقة وقال  :

 بحثت عنك كثيرا فأين كنت ؟ 

أطلقت ضحكة صاخبة مستهتره ارتج معها جسدها فزاد فتنة على فتنة ،  وقالت وهي تمد يدها نحو كأسها :

ووجدتني الآن  هأهأهأ ؟!

قال : نعم أنت ضالتي التي بحثت عنها كثيرا ومد يده يقننص يديها بقوة فتغيرت ملامحها علي نحو مريب وهي تنظر إليه وتنفث دخان سيجارتها في وجهه بتحد واستهتار .


فطن لاندفاع المراهقة غير المحسوب ، فتراجع سريعا ومد يده نحو جيب معطفه الثمين يخرج وريقات ملونة ومختومة يفوح منها عطر الثراء الذي يعطر الثياب ويطمئن النفوس ، فابتسمت إبتسامة خفيفة 

وقالت : اخرج وسأتبعك بعد قليل

استجاب لأمرها وهو من اعتاد أن يؤمر فيطاع ، فقد كان كل منهما يعلم بغيته من  الآخر ، والأمر ليس بتلك الصعوبة والتعقيد التي يتخيلها البعض من أصحاب المبادئ والأخلاق .


اصطحبها في سيارته وظل الصمت سيد الموقف لفترة حتى سألها : هل تحبين المال لهذه الدرجة حتى تعرضين نفسك ثمنا له ؟ 

أجابت بهدوء ولا مبالاه : المال وسيلة للمتعة والامتلاك والراحة  وهي بالنسبة لك كذلك وإلا مابحثت عني لتحقق ماتريد  فكيف لا أحبه ؟

نظر إليها نظرة ذات مغزى ودلفا معا من السيارة.إلى منزله الكائن في منطقة هادئة  لتجد نفسها في ردهة طويلة  تتدلى من جدرانها عناقيد إضاءه خافته تعطي إحساسا بالرومانسية المفرطة وفي نهايتها غرفة واسعةلمحت بأحد الجوانب طاولة بار تصطف فوقها زجاجات النبيذ تنتظر أمر قائدها لتنطلق .


بدأت في سكب النبيذ له كأسا تلو الأخر  في حين ترتشف قليلا قليلا  بين الحين والآخر  ، وقد لاحظ ذلك فظن أنها ربما مكيدة بغرض السرقة فباغتها قائلا  : هل تريدين مزيدا  من المال ؟

قالت : لا ......فقد دفعت الكثير 

قال : فلم لا تشاركينني الشراب لنستمتع معا ،أراك ترتشفين ارتشاف المجاملة لا ارتشاف الشغف والمتعة ؟  أم تريدين أن تأخذني الخمر بدروبها وشعابها وحدي فلا أراك إلا طيفا يغيب .


قالت :  أحاذر الخمر فليس لي عليها سلطان ولا حيلة لي معها وأخشى ماأخشاه أن يغيب وعي فتفعل بي من الأفاعيل مالا أطيق ،  وتلهبني سياطك في لحظة متعة سادية كما فعل غيرك من قبل .


ألا تعلم أن كل القادة وأصحاب الرتب لقبضة الكأس يخضعون  وتنهار الملوك والساسه له وينكسرون ،  ومن كان لقبضة الكأس خاضع ذليل  كان في ليلتي أسير  

قال : ومن قال أني في قبضة.الكأس  ؟

لقد تعلمت  ألا أسلم عقلي للذة فتهوي به في غيابات مجهولة وتجعلني عبدا لها ظمآن مسلوب الإرادة .


قالت : أحببت في الخمر فعلها  البعض فهي تذهب عقولهم الخبيثة الكريهه وتردهم لسنواتهم الأولى فلا تميز للأشياء أو الأشخاص ، ولا تقدير للمواقف أو سيطرة على الكلمات

أحببتها لأنها تزيل غموض هذا وتفك طلاسم ذاك وتكسف الستار عن هؤلاء الذين يعجز العامة عن مجرد التطلع لهم عن بعد .

تخرج الخبء وماخفي بالنفوس وتفتح صناديقها السوداء وماغاب في سراديبها وغرفها السرية فتقدم لي صاحبها على مذبح المتعة حقيقة عارية بلا تزييف أو تجمل .


كانت تتحدث وهو يمعن النظر إليها محدثا نفسه :

لم تخطئ عيني حين انتقتها دون غيرها من النسوة  ولكن يبدو أنني غفلت عن كيدهن العظيم  ، أخطأت حين لم أقدر  سلاح الأنثى الحقيقي  ...... نعم أصابت تلك المومس وأخطأت أنا .

ثم هم واقفا يخلع قبعته وينحني أمامها بحركة مسرحية محترفة تدل على الاعجاب ورفع رأسه نحوها مقبلا أطراف أصابعها برفق وهي تبسم ابتسام المنتصر  بانتشاء .


فوجئت به يضع بين يديها رزمة ضخمة من المال  تبدو أضعاف أضعاف المبلغ الذي أخذته في البداية  ويقول :

المبلغ الأول من المال كان مقابل متعة الجسد وعواء شهوته .

أما هذا المبلغ فهو تعويض عن رحلة لن تكتمل داخل سراديبي  وغرفي السرية ، هذا المبلغ مقابل حقيقتي التي لن تصبح عارية أبدا .

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة